خطبة الجمعة بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 7 رجب 1445هـ ، الموافق 19 يناير 2024م .
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 يناير 2024م بصيغة word بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 يناير 2024م بصيغة pdf بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 19 يناير 2024م بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق.
أولًا: المخدراتُ دمارٌ وهلاكٌ وخزيٌ وعارٌ.
ثانيـــًا: أسبابُ تفشِّي المخدراتِ في المجتمعاتِ!!!
ثالثـــًا إنَّها مسؤوليةُ الجميعِ يا سادة.
رابعًا وأخيرًا: ما العلاجُ؟ بل إنْ شئتَ فقلْ كيفَ نحمِي شبابَنَا مِن الإدمانِ؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 يناير 2024م بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق : كما يلي:
مجتمعٌ بلا إدمانٍ، المخدراتُ طريقُ الإدمانِ
للدكتور محمد حرز ، بتاريخ: 7 رجب 1445هــ –19 يناير 2023م
الحمدُ للهِ ومَن يُحمَدُ سُوَى الله، ولا إلَهَ إلّا اللهُ وما مِن إلَهٍ إلّا الله، واللهُ أكبرُ ولا كبيرَ أكبرُ مِن اللهِ، وسبحانَ اللهِ وما ينبغِي التسبيحُ الّا للهِ، وأستغفرُ اللهَ ومَن يغفرُ الذنوبَ إلّا الله، ذلكم اللهُ ربُّكُم قامتْ الأدلةُ على ربوبيتِه في سجلٍّ شهدَ اللهُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ المائدة: 90.وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه أولٌ بلا ابتداء، وآخرٌ بلا انتهاء، الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ ، اللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران :102)
عبادَ الله: إنّنَا اليوم على موعدٍ مع موضوعٍ خطيرٍ مِن موضوعاتِ الساعةِ .. ومرضٍ مدمرٍ مِن أمراضِ المجتمعِ …وكيفَ لا؟ .. وهو عدوٌّ شرسٌ يقتلُ الروحَ، قبلَ أنْ يقتلَ البدنَ .. ويفتكُ بالعقلِ قبلَ أنْ يفتكَ بالجسدِ .. ويسلبُ الدينَ قبلَ أنْ يسلبَ الدنيَا .إنَّهُ مرضٌ سرطانيٌّ خطيرٌ مدمرٌ قلّمَا يُعافَى منهُ إنسانٌ إلّا ما رحمَ ربُّ الأرضِ والسماواتِ، إنَّهُ داءٌ عضالٌ حذّرَ منهُ سيدُ الأنامِ، إنَّهُ داءٌ يهدمُ البيوتَ ويشردُ الأسرَي ويفسدُ المجتمعاتِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ آفَةِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَجَرِيمَةِ الْمُسْكِرَاتِ وخطورةِ الإدمانِ، حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ (مجتمعٍ بلا إدمانٍ )، عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاء
أولًا: المخدراتُ دمارٌ وهلاكٌ وخزيٌ وعارٌ.
ثانيـــًا: أسبابُ تفشِّي المخدراتِ في المجتمعاتِ!!!
ثالثـــًا إنَّها مسؤوليةُ الجميعِ يا سادة.
رابعًا وأخيرًا: ما العلاجُ؟ بل إنْ شئتَ فقلْ كيفَ نحمِي شبابَنَا مِن الإدمانِ؟
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن مجتمعٍ بلا إدمانٍ، وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا انتشرَ فيهِ الإدمانُ والمخدراتُ والتدخينُ بصورةٍ مفزعةٍ لا بينَ الرجالِ والشبابِ فحسب، بل وفي أوساطِ النساءِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، واللهِ الذي لا إلهَ إلّا هو لا أعلمُ زمانًا انتشرتْ فيه المخدراتُ بهذه الصورةِ المخزيةِ الفاضحةِ كهذا الزمانِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وخاصةً والإدمانُ آفَةٌ هُتِكَتْ بِسَبَبِهَا أَعْرَاضٌ! وَوَقَعَ بَعْضُ الْأُخْوَةِ عِلَى أَخَوَاتِهِمْ، وَتَحَرَّشَ بَعْضُ الْآبَاءِ بِبَنَاتِهِمْ، وَبِسَبَبِهَا قَتَلَ الْأَخُ أَخَاهُ، وَبِسَبَبِهَا نَحَرَ وَالِدَيْهِ – كَمَا تُنْحَرُ النِّعَاجُ سلّمْ يا ربِّ سلِّمْ، وَبِسَبَبِهَا َرَفَعَ الزوجُ السِّلَاحَ عَلَى زَوْجَتِهُ، وَرَوَّعَ أَوْلَادَهُ، وَأَشْعَلَ النَّارَ فِي جَسَدِهِ. مَشَاهِدٌ مُرَوِّعَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ، لَا تَنْقَطِعُ أَخْبَارُهَا، فِي غَالِبِ دُوُلِ الْمَعْمُورَةِ، وَلَا حَوْلَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ، فكَمْ مِنْ شَابٍ قَضَتْ هَذِهِ السُّمُومُ القاتلةٌ عَلَى آمَالِهِ وَطُمُوحَاتِهِ! وَكَمْ مِنْ أَلَمٍ وَحَسْرَةٍ أَوْرَثَتْهَا تِلْكَ الآفَةُ الْمُحَرَّمَةُ! فَكَانَتْ نَتِيجَتُهَا ضَيَاعُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ جلَّ وعلا (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)، وخاصةً وأعداءُ الإسلامِ يا سادةٌ يحاولونَ تدميرَ وتحطيمَ الشبابِ ليلًا ونهارًا بالمخدراتِ والإدمانِ وغيرِ ذلك ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ. وللهِ درُّ القائلِ:
مؤامرةٌ تدورُ على الشبابِ*** لتجعلَهُ ركامًا مِن تراب
مؤامرةٌ تقولُ لهم تعالوا *** إلى الشهواتِ في ظلِّ الشراب
مؤامرةٌ يحيكُ خيوطهَا ***أعداءُ سوءٍ في لؤمِ الذئاب
تفرقَ شملُهُم إلّا علينَا *** فصرنَا كالفريسةِ للكلابِ
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق
أولًا: المخدراتُ دمارٌ وهلاكٌ وخزيٌ وعارٌ.
أيُّها السادةُ: وبدونِ مقدماتٍ، الإدمانُ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشَا في أمةٍ إلّا كان نذيرًا لهلاكِهَا، و ما دبَّ في أسرةٍ إلَّا كان سببًا لفنائِهَا، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ ، والإدمانُ آفةٌ مِن آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ ،مدمرٌ للقلبِ والأركانِ ،يفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، يُحرَمُ صاحبُهُ الأمنَ والأمانَ ،ويدخلُه النيرانَ ،ويبعدُهُ عن الجنانِ ،فالبعدُ عنهُ خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ. والإدمانُ ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ داءٌ يقتلُ الطموحَ، ويدمرُ قيمَ المجتمعِ، ويعَدُّ خطرًا مباشرًا على الوطنِ، ويقفُ عقبةً في سبلِ البناءِ والتنميةِ، يبددُ المواردَ، ويهدرُ الطاقاتِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ. ومِن المعلومِ أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ جاءتْ بِحفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ أو الكلياتِ الخمس وَحَرَّمَتْ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا، وَهِيَ: الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَالُ، وَالْنسل، وَالْعَقْلُ، والادمانُ اعتداءٌ على الدينِ والنفسِ والمالِ والعقلِ والعرضِ. ومِمَّا لا شكَّ فيهِ أنَّ الإسلامَ العظيم حريصٌ كلَّ الحرصِ علي صحةِ الإنسانِ، وعن جسدِهِ وكيف لا؟ والصحةُ والجسدُ مِن الأمورِ التي سيُسألُ عنهَا الإنسانُ أمامَ ملكِ الملوكِ وجبارِ السماواتِ والأرضِ، فعن أبي برزةَ الاسلمى: ” لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟، “لذا قال النبيُّ ﷺ: { اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك ، وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِك ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شُغْلِك ، وَحَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك }، فباللهِ عليك يا مَن وقعتَ في الإدمانِ والمخدراتِ هل اغتنمتَ الصحةَ قبلَ المرضِ كما قال سيدُ البشرِ ﷺ وابتعدتْ عن المخدراتِ أم أنَّك خالفتَ كلامَ النبيِّ الأمينِ ﷺ ولا تزالُ مدمنًا، والإدمانُ يا سادةٌ لهُ مِن الأضرارِ الدينيةِ والماليةِ والبدنيةِ و الاجتماعيةِ الكثيرُ والكثيرُ ما لا يخفَى على أحدٍ. فمِن أضرارِه الدينيةِ: أنَّ الإدمانَ معصيةٌ وليستْ أيَّ معصيةٍ، فهناكَ فرقٌ بينَ مَن عصَي اللهَ في السرِّ، وبينَ مَن عصَي اللهَ في السرِّ وفضحَ نفسَهُ، وبينَ مَن عصَي اللهَ عيانًا بيانًا علي مرئَي للجميعِ، فمَن عصَي اللهَ في السرِّ أهونُ عندَ اللهِ؛ لأنَّهُ ما معصومٌ إلّا المعصوم، وماتتْ العصمةُ يومَ ماتَ المعصومُ ﷺ، إنْ تابَ الإنسانُ تابَ اللهُ عليهِ، أمَّا مَن عصَي اللهَ في السرِّ ثمَّ فضحَ نفسَهُ، فهذا علي خطرٍ عظيمٍ، وهذا أخطرُ ما في الادمانِ أنَّه يفضحُ صاحبَهُ بالليلِ والنهارِ، وصدقَ المعصومُ ﷺ إذ يقولُ كما في حديثِ أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ)، هذا مَن عصَي اللهَ وسترَهُ اللهُ ثم فضحَ نفسَهُ، فما بالُكَ بمَن عصَي اللهَ عيانًا بيانًا، وهذا هو شأنُ المدمنِ…وللهِ درُّ القائلِ:
إذا لم تَخْشَ عاقبةَ اللَّيالي***ولم تستَحِ فاصنَعْ ما تشاءُ
فلا واللهِ ما في العَيشِ خَيرٌ***ولا الدُّنيا إذا ذهَبَ الحَياءُ
تابع / خطبة الجمعة بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق ، للدكتور محمد حرز
وأخطرُ ما فِي الإدمانِ والمخدراتِ يا سادةٌ: أنَّها تؤدِّي إلي هلاكِ الإنسانِ وربَّمَا إلى الانتحارِ، ونفسُكَ ليستْ ملكًا لك فأنت لم تخلقْهَا ولا عضوًا مِن أعضائِكَ ولا خليةً مِن خلاياك وإنَّمَا نفسُكَ وديعةٌ وأمانةٌ استودعَكَ اللهُ إيَّاهَا فلا يجوزُ لك أنْ تفرطَ فيهَا، قالَ تعالَي: (وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا). وقالَ ربُّنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }، وفي الصحيحينِ منْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)، والإدمانُ سمومٌ قاتلةٌ يا سادةٌ، وأمّا ضررهُ في المالِ: فحدثْ ولا حرجَ، إسرافٌ وتبذيرٌ، والتبذيرُ حرامٌ، قالَ ربُّنَا: { وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) }، سورة الإسراء. فاسألْ المدمنَ كم ينفقُ علي المخدراتِ مِن الجنيهاتِ في كلِّ يومٍ وليلةٍ؟ وقد يكونُ فقيرًا لا يوجدُ عندَهُ قوتُ يومِهِ وليلِهِ ومع هذا فهو يقدّمُ المخدراتِ على شراءِ مستلزماتِ الحياةِ، ولو فكّرَ هذا المسكينُ في ما ينفقُ في هذا السمِّ الخبيثِ وصرفَ هذا المالَ علي أولادِهِ وزوجتِهِ أو لمستحقيهِ مِن الفقراءِ ليجدُوا لقمةً يسدونَ بهَا رمقَهُم لكسبَ بذلكَ الأجرَ والمغفرةَ مِن اللهِ ولكنْ قلَّ مَن يتذكرُ ويتعظُ؟ وأمَّا ضررُهُ في المجتمعِ: فإنَّ شاربَ المخدراتِ يسيءُ إلى مجتمعِهِ ويسيءُ إلى كلِّ مَن جالسَهُ وصاحبَهُ ويستنزفُ ثروةَ الأمةِ وينقلُهَا إلى أيدِي أعدائِهَا مِن الشركاتِ التي تصدرُ هذا الأذَى الخبيثَ. فوا أسفاهُ كيفَ غابتْ عقولُهُم وسفهتْ أحلامُهُم وضاقتْ صدورُهُم مِن قبولِ الحقِّ. ومِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ تَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالِاتِّجَارُ فِيهَا يا سادةٌ: قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33].وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ مَنْ تَعَاطَي مُسْكِرًا بِأَنْ يَسِقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ؟ لِقَولِهِ ﷺ: « إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» أَوْ «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَيْ: قَيْحُ وَصَدِيدُ وَدِمَاءُ أَجْسَادِ أَهْلِ النَّارِ يا ربِّ سلمْ، والإدمانُ والمخدراتُ والمسكراتُ والخمرُ ينزعُ عن الإنسانِ ثوبَ الإيمانِ يا سادةٌ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ.وبائعُ المخدراتِ ملعونٌ ومطرودٌ مِن رحمةِ الرحمنِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَبَائِعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ)) وَالمُدْمِنُ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ، وَيُضيِّعُ مَنْ يَعُولُ، بَل يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ، وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، ويُفرِّطُ في عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ له حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا ؟ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!!ولَقَدْ ذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّ الْخَمْرَ سَبَبٌ لِكُلِّ شَرٍّ، وَأَنَّهَا عَائِقٌ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، فَقَدْ قَالَ جل وعلا: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].وَقَالَ النبي المختار ﷺ: (الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ)، فَجَعَلَهَا أُمًّا وَأَسَاسًا لِكُلِّ شَرٍّ وَخُبْثٍ يا ربِّ سلّمْ، والإدمانُ والمخدراتُ كالخمرِ بجامعِ الاسكارِ وذهابِ العقلِ في كلٍّ منهمَا، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ؛ مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ)، وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الدَّيُّوثُ وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ). وأخطرُ ما في الإدمانِ يا سادةٌ أنَّهُ يضيعُ أداةَ التكريمِ يضيعُ العقلَ الذي كرّمَنَا بهِ المولَى جلَّ وعلا ، قالَ تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70]..
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق
ثانيـــًا: أسبابُ تفشِّي المخدراتِ في المجتمعاتِ!!!
أيُّها السادة: مِن أهمِّ أسبابِ انتشارِ المخدراتِ أقولُهَا باختصارٍ نظرًا لضيقِ الوقتِ، أوَّلُ الأسبابِ وأبرزُهَا ضَعفُ الإيمانِ وضَعفُ الوازعِ الدينيِّ ،وعدمُ مراقبةِ المولىَ جلّ وعلا، وسوسةُ الشيطانِ مِن أهمِّ أسبابِ انتشارِ المخدراتِ، وصدقَ اللهُ إذ يقولُ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا )، وصدقَ المعصومُ ﷺ إذ يقولُ: (ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمنٌ)، فالشيطانُ يأمرُكَ دائمًا وأبدًا بمعصيةِ اللهِ، قالَ ربُّنَا: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ 91) سورة المائدة.
ومِن أهمِّ أسابِ تفشِّي المخدراتِ بينَ الشبابِ: رفقاءُ السوءِ، آهٍ على أولادِنَا مِن رفقاءِ السوءِ، آهٍ على بناتِنَا مِن رفقاتِ السوءِ، عشراتُ التائبينَ والنادمينَ يُصدِّرونَ قَصَصَهُم: بقولِهِم تعرفتُ على قرناءِ السوءِ، وقال لي أصدقاءُ السوءِ: جرّب. خذْ مجانًا.. وهلُمَّ جرا. فالصاحبُ يضرُّ بصاحبِهِ يا شباب، كما قال نبيُّنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ وَقَالَ مُؤَمَّلٌ مَنْ يُخَالِل )، فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلي القرآنِ، وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلي الغناءِ، فكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلي الصلاةِ، وكم مِن صديقٍ قادَ صاحبَهُ إلي الإدمانِ والمخدراتِ.
ومِن الأسبابِ: إهمالُ الوالدينِ، وسوءُ التربيةِ، وعدمُ المتابعة، ومَن أرادَ الدليلَ فلينظرْ إلى شبابٍ يجوبونَ الشوارعَ وعلى الأرصفةِ إلى ساعاتٍ متأخرةٍ مِن الليلِ ! بلا حسيبٍ ولا رقيبٍ، يتعلَّمُ الصغيرُ والمراهقُ مِن الكبيرِ مالا تحمدُ عقباهُ.
ومِن الأسبابِ: الاستهانةُ بأمرِ التدخينِ، فالتَّدْخِينُ يُعْتَبَرُ بَوَّابَةَ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ، يا سادةٌ.
ومِن الأسبابِ: الفراغُ، وآهٍ مِن الفراغِ على شبابِنَا وأخواتِنَا وعلى أنفسِنَا !! آهٍ مِن الفراغِ وخطرِهِ، فالفراغُ نعمةٌ من أجلِّ النعمِ ونحنُ لا ندرى ، روى البخاريُّ من حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ).
ومِن أخطرِ الأسبابِ: الإعلامُ عندما يُظهِرُ لشبابِنَا البطلَ والقدوةَ في صورةِ مدمنٍ للمخدراتِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
فمتى يبلغُ البنيانُ يومًا تمامَهُ *** إذا كنتَ تبنِى وغيرُكَ يهدمُ
فالمخدراتُ -يا عبادَ الله- نارٌ تَلَظَّى، والتدخينُ شرارتُهَا، ورفاقُ السوءِ حطبُهَا، والمقاهي والاستراحاتُ المشبوهةُ تُنَوِّرُهَا، وخازنُ هذه النارِ هُم أعداءُ اللهِ، ومحاربتُهَا تكونُ بحربِ جذورِهَا، وعدمِ المحاباةِ في التعاملِ مع مروجِيهَا ومهربِيهَا.
لا تَقْطَعَنْ ذَنَبَ الأفْعَى وَتَتْرُكَهَا *** إنْ كُنْتَ شَهْمَاً فَأَتْبِعْ رَأْسَهَا الذَّنَبَا
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق
ثالثـــًا إنّها مسؤوليةُ الجميعِ يا سادةٌ.
أيُّها السادةُ: إنّنَا نعيشُ الآنَ في واقعٍ مريرٍ مؤلمٍ واقعٍ معروفٍ للصغيرِ قبلَ الكبيرِ، ومعروفٍ للقاصِي قبلَ الدانِي، فو اللهِ إنّ العينَ لتدمع وإنّ القلبَ ليحزن وإنّا لِمَا حلّ بالبيوتِ المسلمة ولشبابِنَا ولشباتِنَا لمحزونون، واقعٌ مرٌّ ومؤلمٌ لِمَا نراهُ ونشاهدُهُ في واقعِنَا الحاضرِ، فَقَدَ شبابُنَا القدوةَ والمثلَ الأعلى وراحَ شبابُنَا إلى تقليدِ الغربِ في ملبسِهِ ومأكلِهِ ومشربِهِ وقصاتِ شعرِهِ، وأصبحَ ضحيةً للإدمانِ والمخدراتِ انحرافٌ وانحطاطٌ ما بعدَهُ انحرافٌ وانحطاطٌ وتدنِّي في الأخلاقِ والقيمِ والتربية!!وصدقَ نبيُّنَا ﷺ إذْ يقولُ كما في حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ) متفق عليه. والسؤالُ الذي يطرحُ نفسَهُ يا سادةٌ أينَ دورُ الآباءِ في تربيةِ أولادِهِم والتحذيرِ مِن المخدراتِ؟ أين دورُ المدرسةِ والمساجدِ والمعاهدِ والجامعاتِ في التحذيرِ مِن المخدراتِ يا سادةٌ؟ أين دورُ الإعلامِ في تربيةِ النشءِ وفي التحذيرِ مِن المخدراتِ يا سادةٌ؟ إنَّها مسؤوليةُ الجميعِ يا سادةٌ، والْمَسْؤُولِيَّةُ الأُولَى فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ والوقايةِ مِن الإدمانِ تَقَعُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَعَلَيْهِمْ تَوْفِيرُ الْبِيئَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِيَنْشَأَ أَطْفَالُهُمْ نَشْأَةً إِيمَانِيَّةً وَتَرْبَوِيَّةً مُسْتَقِيمَةً، تُحَقِّقُ لَهُمُ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزَ فِي الْآخِرَةِ، فإنَّ مِن أعظمِ الأماناتِ التي استرعَاكُم اللهُ عليها أمانةَ الأولادِ، قالَ تعالى: [إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] (الأحزاب الآية 72).فأولادُكَ أمانةٌ في رقبَتِكَ، وتربيتُهُم أمانةٌ ستسألُ عنها يومَ القيامةِ إذا حافظتَ عليهم فقد صُنتَ الأمانةَ، وإذا أهملتَهُم فقد خُنتَ الأمانةَ كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ ﷺ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ( أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)، (متفق عليه)، وفي صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ- رضى اللهُ عنه–قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يَقُولُ: ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)) قال رَسولُ اللهِ ﷺ: ((كَفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضيِّعَ مَنِ يَقُوتُ)، وللهِ درُّ القائلِ:
ليسَ اليتيمُ مَن انتهَى أبواهُ *** مِن الحياةِ وخلفَاهُ ذليلًا
إنّ اليتيمَ هو الذي تَرى لهُ *** أُمَّا تَخَلّتْ أو أَبًا مشغولًا
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية …الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا به، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. وبعد
العنصر الرابع من خطبة الجمعة بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق
رابعًا وأخيرًا: ما العلاجُ؟ بل إنْ شئتَ فقلْ كيف نحمِي شبابَنَا مِن الإدمانِ؟
أيُّها السادةُ: الإدمان ُ داءٌ والحمدُ للهِ أنّه داءٌ لماذا ؟لأنّ ما مِن داءٍ علي ظهرِ الأرضِ إلّا ولهُ دواءٌ كما قال نبيُّنَا ﷺ: (تَدَاوَوْا عباد الله فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّوَ جَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ وهو الْهَرَمُ) أي الشيخوخة ) إذاً ما علاجُ الإدمانِ؟ أو كيف نحمِي شبابَنَا مِن الإدمانِ؟
أيُّها السادةُ: مواجهةُ الإدمان مسؤوليةْ دينيةٌ ووطنيةٌ ومجتمعيةٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ، كلٌّ في مكانِ عملِه وتخصصِه، كلٌّ في حدودِ قدراتِه وإمكانيتِه لنحفظَ على وطنِنَا مصرَ الحبيبةِ الغاليةِ مِن الإدمانِ والمدمنين لتنهضَ مصرُنَا في جميعِ المجالاتِ وفي شتَّى نواحِي الحياةِ.
وعلاجُ الإدمان أولاً :يبدأُ المرءُ بإصلاحِ نفسهِ وبإصلاحِ أولادِه وبيتِهِ، فمتى ما صُلحَ الفردُ صلحتْ الأسرةُ وبالتالي صلحت المجتمعاتُ، وإذا فسدَ الفردُ فسدتْ الأسرةُ وفسدَ المجتمعُ….. وللهِ درُّ القائل
ابدأْ بنفسِكَ فانهَهَا عن غَيِّها **** فإذا انتهتْ عنه فأنت حكيمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ **** عَارٌ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
ومِن العلاجِ: الاستعانةُ باللهِ فمَن أعانَهُ اللهُ فهو المعانُ ومَن خذلَهُ اللهُ فهو المخذولُ، فاطلبْ العونَ مِن اللهِ علي أنْ يعينَكَ علي تركِ المخدراتِ والتدخينِ وكلِّ ما يغضبُ اللهَ جلَّ وعلا.
ومِن العلاجِ: أنْ يتخذَ المدمنُ قرارًا حازمًا لا رجعةَ فيه، وهو أنْ تتركَ قرناءَ السوءِ أصحابَ السوءِ في التوِّ واللحظةِ قبلَ أنْ تقولَ كما قالَ ربُّنَا: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) ) سورة الفرقان، فكنْ رجلًا الآنَ وخذْ قرارَكَ في مفارقةِ أصحابِ السوءِ أصحابِ البانجُو والمخدراتِ أصحابِ السوءِ وامتثلْ لأمرِ نبيِّكَ ﷺ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ).
ومِن العلاجِ: فرضُ عقوباتٍ رادعةٍ للمتاجرينَ في المخدراتِ: قال عثمانُ -رضي اللهُ عنه –إنّ اللهَ يزعْ بالسلطانِ مالا يزعْ بالقرآنِ)، أي: يمنعُ بالسلطانِ باقترافِ المحارمِ، أكثرُ ما يمنعُ بالقرآنِ، وقانونُ المواريثِ خيرُ شاهدٍ على ذلك .
ومِن العلاجِ: في قيامِ أهلِ الحقِّ والإصلاحِ بمسؤولياتِهِم أمرًا بالمعروفِ بالمعروفِ ونهيًا عن المنكرِ بغيرِ منكرٍ، قال تعالى: ( فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ,وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ))[هود:١١٦-117).
ومِن العلاجِ: أنْ نتعاونَ جميعًا على محاربةِ الإدمان، وأنْ نجعلَهُ قضيةً اجتماعيةً، فإنّ البلاءَ إذا نزلَ يعمُّ الصالحَ والطالحَ والبارَّ والفاجرَ، لذا قال الصادقُ المصدوقُ صلى اللهُ عليه وسلم كما في صحيحِ البخاريِّ من حديثِ النُّعْمَانِ بْنَ بَشِيرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)رواه البخاري).
ومِن العلاجِ: عَلَى الآبَاءِ وَالْمُرَبِينَ أَنْ يَتَنَبَّهُوا لِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَيُحَاوِلُوا أَنْ يَجِدُوا لَهَا عِلَاجًا. وَمِنْ ذَلِكَ: إِحْيَاءُ الرَّقَابَةِ الذَّاتِيَّةِ في قُلُوبِ النَّاسِ عَامَّةً، وَغَرسِهَا في أَفئِدَةِ النَاشِئَةِ خَاصَّةً، وَتَسلِيحِهِم بِالإِيمَانِ بِاللهِ، وَالخَوفِ مِنهُ -سُبحَانَهُ- وَتَقرِيرِهِم بِنِعَمِهِ؛ لِيَحمَدُوهُ وَيَشكُرُوهُ، وَلابُدَّ مِن تَكثِيفِ التَّوعِيَةِ بِخَطَرِ المُسكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ عَلَى الدِّينِ وَالأَخلاقِ، وَنَشرِ الوَعيِ بِأَضرَارِهَا عَلَى العُقُولِ، وَبَيَانِ شِدَّةِ فَتكِهَا بِالأَجسَادِ، وَمَلءُ أَوقَاتِ الشَّبَابِ بما يَنفَعُهُم وَيَنفَعُ مُجتَمَعَهُم، فَإِنَّهُ لا أَفسَدَ لِلعُقُولِ مِنَ الفَرَاغِ، وَالنُّفُوسُ لا بُدَّ أَن تُشغَلَ بِالطَّاعَاتِ، وَإِلاَّ شُغِلَتْ بِالْمَعَاصِي. فَلْيَحْرِصِ الآبَاءُ عَلَى إِدْخَالِ أَبْنَائِهِمْ حَلَقَاتِ التَّحْفِيظِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي بِلَادِنَا وَللهِ الْحَمْدُ. وَتَعْلِيمِهِمُ الْعُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ، وَتَشْجِيعِهِمْ عَلَى حُضُورِ الدُّرُوسِ وَالْمُحَاضَرَاتِ الْمُفِيدَةِ، وَتَعْلِيمِهِمُ الْعُلُومَ الْمَادِيَّةَ النَّافِعَةَ.
تابع / خطبة الجمعة بعنوان : مجتمع بلا إدمان خطوات على الطريق ، للدكتور محمد حرز
ومِن العلاجِ: أنَّ المُبتَلَينَ بِالمُخَدِّرَاتِ مَرضَى يَحتَاجُونَ إِلى الرِّعَايَةِ وَالعِلاجِ، وَغَرقَى يَتَشَوَّفُونَ إِلى المُسَاعَدَةِ وَالإِنقَاذِ، وَمِن ثَمَّ فَلابُدَّ مِن فَتحِ القُلُوبِ لَـهُمْ وَمَدِّ جُسُورِ المَحَبَّةِ إِلَيهِم؛ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَنَصِيحَةٍ مُخلِصَةٍ، وَمُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ وَعِلاقَةٍ حَمِيمَةٍ، وَأَسَالِيبَ مُنَوَّعَةٍ وَطُرُقٍ مُختَلِفَةٍ، يُمزَجُ فِيهَا بَينَ التَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ، وَيُقرَنُ فِيهَا الثَّوَابُ بِالعِقَابِ، وَهَذَا يَفرِضُ عَلَى الْمُعَالِجِ التَّحَلِّي بِالصَّبرِ وَالتَّحَمُّلِ، في طُولِ نَفَسٍ وَسَعَةِ بَالٍ وَبُعدِ نَظَرٍ، مَعَ تَعَلُّقٍ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَإِلحَاحٍ عَلَيهِ بِالدُّعَاءِ لِهَؤُلاءِ المُبتَلَينَ بِالهِدَايَةِ وَالتَّوفِيقِ.
فالحذرَ الحذرَ – يَا شَبَابَنَا – مِن محاكاةِ الضائعين، وتقليدِ الجاهلين؛ فإنَّ في هذا فسادًا ظاهرًا يُوقِعُ في الموبقاتِ المهلكاتِ: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179)
فالحذرَ الحذرَ – يَا شَبَابَنَا – وَكُونُوا أَقوِيَاءَ بِدِينِكُم مُتَوَكِّلِينَ عَلَى رَبِّكُم، قَوُّوا عَزَائِمَكُم وَإِرَادَاتِكُم، وَلا تَجعَلُوا أَنفُسَكُم أَسْرَى لِلمُخَدِّرَاتِ، تَسُوقُكُم نَشوَةُ دَقَائِقَ وَتَقُودُكُم مُتعَةُ لَحَظَاتٍ، ثم تَكُونُوا رَهَائِنَ في أَيدِي المُرَوِّجِينَ وَالمُفسِدِينَ
الحذرَ الحذرَ: أيُّها المدمنُ مِن سوءِ الخاتمةِ، يا ربِّ سلّمْ، احذرْ أنْ تموتَ بسببِ الإدمانِ والمخدراتِ عندئذٍ تموتُ علي معصيةٍ وتبعثُ عليهَا فماذا تقولُ لربِّكَ؟؛ لأنَّ إدمانَ المعصيةِ تؤثرُ على صاحبِهَا عندَ الموتِ فلا يستطيعُ أنْ ينطقَ بكلمةِ التوحيدِ. وكيف ينطقُ بلا إلهَ إلَّا ا للهُ مَن غفلَ في دنياهُ عن ذكرِ مولاه واتبعَ هواهُ ، وكان أمرُهّ فرطًا؟ كيف ينطقُ بكلمةِ التوحيدِ مَن عاشَ علي المخدراتِ، والبانجُو، وعلي الزنَا، وعلي النظرِ إلي الرقصاتِ .. وصدقَ ابنُ كثيرٍ إذ يقولُ: (لقد أجرَى اللهُ الكريمُ عادتَهُ بكرمِه أنَّهُ مِن عاشَ على شيءٍ ماتَ عليهِ، ومَن ماتَ على شيءٍ بُعثَ عليهِ)
أفقْ أفقْ مِن غفلتِكَ، وأحضرْ قلبَكَ مِن بيتِكَ، وأعلمْ بأنَّهُ لا نومَ أثقلُ مِن الغفلةِ ولا نذيرَ أبلغُ مِن الشيبِ، ولا رقَّ أملكُ مِن الشهوةِ. فاغتنمْ الفرصةَ قبلَ فواتِ الأوانِ، واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِكَ، وصحتَكَ قبلَ سقمِكَ، وشبابَكَ قبلَ هرمِكَ، وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ، أيُّها المغترُّ بطولِ الصحةِ أمَا رأيتَ ميتًا مِن غيرِ سقمٍ !! أيُّها المغترُّ بطولِ المهلةِ أمَا رأيتَ ميتًا مِن غيرِ مهلةٍ !! أبالصحةِ تغترونَ أم بطولِ العافيةِ تمرحون، أم مِن الموتِ تأمنون !!رحمَ اللهُ عبدًا عملَ لساعةِ الموتِ، رحمَ اللهُ عبدًا عملَ لمَا بعدَ الموتِ!!!أيُّها الساكنُ في دارِ الفرقةِ و الرحيلِ أيُّها الضاحكُ في مواطنِ البكاءِ والعويلِ لا تركنْ إلي دارِ الغرورِ فليسَ لعاقلٍ إليهَا ركون، ولا عليهَا تعويلٌ ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا ) [سورة النساء
يا مَن يجيبُ العبدَ قبلَ سؤالِه**** ويجودُ للعاصينَ بالغفرانِ
وإذا أتاهُ الطالبونَ لعفوهِ**** سترَ القبيحَ وجادَ بالإحسانِ
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف